كلمة الشاعر والمترجم العربي نزار السرطاوي في احتفال إطلاق مختارات مترجمة للإنكليزية بعنوان The Blue Expanse

 

نزار السرطاوي(*)

 

 

مِنْ قَمَرِ الأحزانْ.مِنْ نارٍ ودخانْ

.لَمْلَمْتُكَ من جُرحٍ أحمرْ.

ورسمْتُكَ باللّونِ الأخضرْ،

فوقَ بياضِ الثَلجِ،فكانْ

وجهكَ... صوتُك... قلبُكَ،يا لبنان!  

-------------------------

أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة، الأخوات والإخوة الشعراء والأدباء والأكايميين والمثقفين...

أسرة الشاعر الغائب الحاضر أنور سلمان، رفيقة دربه السيدة الجليلة حياة، أنجاله ربيع (ألذي أعلم أن الظروف حالت دون وصوله إلى بيروت)، ويسار ونشأت.

أيها الحفل الكريم – "مسيكم بالخير".

طرت من عمان إلى بيروت... من بلدي إلى بلدي... طرت عاشقاً للبنان القلب... لبنان الوجدان... لبنان المحبة.... لبنان الذي يسكن الروح... جئت...لا لأشارككم الحزن... بل لأشارككم الابتسامة... التي أراد أنور سلمان أن يغرسها في لبنان، وخلدها في قصائده.... خلدها في صوت ماجدة الرومي وفايزة احمد ومحمد العتر وسمية بعلبكي وغير هؤلاء من الفنانات والفنانين العرب الكبار، الذين ترقرقت على شفاهم قصائد أنور، وانسابت ألحانا خالدة تعانق المدى الأزرق. ولعل روحه ترفرف بيننا اليوم كي تطمئن إلى أننا نبتسم في حضرة قصيده بعد رحيله كما كنا نبتسم في حياته.

طرت من عمان إلى لبنان لأعبر عن وفائي للشاعر الكبير من خلال جهدي المتواضع في ترجمة بعض قصائده إلى اللغة الإنكليزية، ووضعها بين دفتي كتاب بعنوان المدى الأزرق(The Blue Expanse) الذي صدر عن دار إينر تشايلد للنشر في الولايات المتحدة، وطبع هنا في لبنان.

أمس مساء زارني في الفندق أخي وصديقي نشأت سلمان. وأحضر لي معه هدية غالية هي هذا الكتاب الذي لم تقع عيناي عليه ولا لامسته يداي قبل ذلك، رغم أنني قضيت شهورا عديدة في ترجمة قصائده ومراجعاتها وتنسيقها وإعدادها للطباعة.

ربما لا تعلم أخي نشأت كم كنت منفعلا من الداخل وأنا ألمس الكتاب... أمسكه بيديّ وكنت أحتضن طفلي المدلل... لا داعي لأن اشرح ذلك، وأنا أقف بين يدي نخبة من الشاعرات والشعراء والكاتبات والكتاب الذين لا بد أنهم عاشوا مثل تلك التجربة مرات ومرات.

لا أريد أن أطيل عليكم... اريد أن أتحدث باختصار لأعرّف بالديوان، وأتطرق بايجاز إلى تر جمة الشعر العربي إلى اللغات العالمية.

الكتاب، الذي يقع في 190 صفحة من القطع المتوسط يحتوي على 70 قصيدةً من قصائد الشاعر، ارتأيت أن يتوزع اختياري لها بين القصائد العمودية، وقصائد التفعيلة، والنصوص النثرية، التي تتلامس أو تتقاطع مع قصيدة النثر. وقد اخترتها من الدواوين الأربعة للشاعر، التي صدرت جميعاً في حياته،-     اليها - 1959-

بـطـاقـات ملونة لزمن بلا اعياد - 1995-

ابحث في عينيك عن وطن - 2004-  

القصيدة امرأة مستحيلة - 2008

ومن الكتاب الذي جمعت فيه نصوصه النثرية بعنوان مرايا لأحلام هاربة. وقد صدر في العام الماضي، أي في حياته أيضاً... لأن أنور ما غاب عنا أبداً.

قدمَتْ للديوان الشاعرة والناقدة الأميركية مارغريت سين فتناولت بعض الجوانب الفنية في شعر أنور سلمان، الذي كانت قد عبرت لي شخصياً عن إعجابها به.  

وكان لا بد لي أنأقول شيئاً... أنا الذي أحسست بصلة روحية تربطني بالشاعر منذ أن شرعت في ترجمة قصائده - صلةٍ كانت تتعمق يوماً بعد يوم.

كتبت استهلالاً (بالإنكليزية طبعاً) تحدثت فيه عن الجائب الغنائي في الشعر بعامة، وكيف تتمثل الملامح الغنائية الرئيسة في قصائد أنور سلمان. وختمت بكلمة عبرت فيها عن أسفي لأن شاعراً بقامة أنور سلمان، وأيضاً سواه من الشعراء العرب المعاصرين، لم تتح لأشعاره أو أشعارهم الفرصة للوصول إلى العالم. وعزوت ذلك إلى القصور الكبير في ترجمة الشعر العربي إلى اللغات العالمية. وهو نقص في العربية لا نلمسه في أية لغة عالمية أخرى – سواء في الإنكليزية، الفرنسية، الإسبانية، الألمانية، أو الروسية.  لقد حاولت أن أفعل شيئاً في هذا الجانب فترجمت بعض القصائد لعشرات من الشاعرات والشعراء العرب، ونشرت الترجمات في غير أنثلوجيا ومجلة أجنبية وبعض المجلات الإلكترونية المحترمة التي تصدر بالإنكليزية. لا بد لي أن اشير إلى بعض الشعراء والكتاب الذين استشهدت بكلماتهم في حق أنور سلمان. لم يتسن لي ان استشهد بعدد كبير من هؤلاء واضطررت بالتعاون مع أخي نشأت إلى الاكتفاء ببعض الأسماء، فترجمت شذرات من بعض ما كتبوه عنه. من هؤلاء الشاعر جوزيف حرب، الشاعر غسان مطر، الشاعر والصحفي إدمون رزق، الشاعر هنري زغيب، الشاعر شوقي بزيع، الشاعر والناقد الدكتور ميشيل كعدي، الأستاذ ريمون عرّاجي وزير الثقافة الأسبق، ريمون عريجي، الدكتور وجيه فانوس، وأخيراً الشاعرة والناقدة الأميركية مارغريت سين. ولم يتح لي أن أحشد تلك الأسماء البارزة جميعا في صفحة الغلاف، ما اضطرني إلى تخصيص الصفحات الثلاث الأخيرة لها.

اسمحوا أن اختم كلمتي هذه، بالأبيات الأربعة التي اختير عنوانها عنواناً للديوان  

مُتَفَتِّحٌ جَفْنِي عَلَى حُلُم.

فَتَلفُّتِي، هَذا المَدَى الأَزرَقْ.

مِنْ مَشْرِقِ الدُّنْيَا ... لِمَغْرِبِهَا،

لِي فِيهِ أَشْرِعَةٌ وَلِي زَوْرَقْ.

لَكَأَنَّنِي، وَرُؤَايَ تَبْعُدُ بِي،

سَفَرٌ إلى بَوَّابَةِ المُطْلَقْ!

فَإِذا رَجَعْتُ... فَفِي يَدِي أُفُقٌ،

وَإِذا انْتَهَيْتُ... فَفِي الرُّؤَى أَغْرَق.  

هكذا كان أنور سلمان يطوف بزورقه منطلقاً من لبنانه إلى عروبته، ومن عروبته إلى إنسانيته، ومن إنسانيته إلى الآفاق الكونية التي لا حدود لها، ثم يقفل راجعاً إلى لبنانه. فقد كان لبنان دائماً يسكن في اعماقه.

أشكركم على استماعكم وحضوركم البهي – يسعد مساكم.  

بيروت في 17 نيسان 2018    

 

 


(*)  شاعر ومترجم فلسطيني

 

صدور الأعمال الشعرية- أنور سلمان ومختارات مترجمة -نزار السرطاوي

 

بيروت في 17 نيسان 2018    

الأعمال الشعرية- أنور سلمان

 

  

أ.د. وجيه فانوس(*)

 

 

“أنور سلمان” ، هو الشَّاعر اللبناني الذي تبوَّأ مكانة مرموقة وسمعة مشرقة بين مبدعي الشعر العربي المعاصر في لبنان؛ بل ثمَّة من الدَّارسين من يعتبر أنَّ “أنور سلمان” هو أحد أعلام ما يسمَّى بـ"المدرسة الشَّاميَّة" في مجالات غنائيَّة الشعر العربي المعاصر.

ولد “أنور سلمان” في "الرَّمليَّة"، إحدى بلدات قضاء "عاليه" من محافظة جبل لبنان؛ وانطلق في عالم الشِّعر منذ مطلع شبابه؛ فانضمَّ، بدايةً، إلى «حلقة الثريا» الشِّعريَّة، في لبنان. وفي هذا المجال، يقول الشاعر والمحامي والسياسي الأستاذ إدمون رزق، أحد مؤسسي "حلقة الثُّريَّا"، "أول الخمسينات، كانت "الثريا"، مع ميشال نعمه وجورج غانم وشوقي ابي شقرا ونور سلمان وريمون عازار وجورج شامي وجوزف ابو جوده وجان جبور، ثم أطلّ “أنور سلمان”، هلَّ واكتمل". وعمل، “أنور سلمان”، في الوقت عينه، في قطاعي التَّدريس والصحافة؛ كما شغل موقع"مستشار ثقافي"، لدى "وزارة الثَّقافة والتَّعليم العالي" في الحكومة اللبنانيَّة.

انتسب “أنور سلمان” إلى "إتِّحاد الكُتَّاب اللبنانيين" بدءاً من سنة 1971؛ وانتخب عضواً في الهيئة الإداريَّة للإتِّحاد لثلاث دورات (1997) و(2001) و(2005). وفضلاً عن هذا، ف”أنور سلمان” كانعضواً في الهيئة التأسيسية لـ"مَجلس المؤلّفين والملحّنين في لبنان"، كما أنه عُيِّن عضواً في "لجنة تقييم النصوص الشعرية الغنائية" في إذاعة لبنان الرسمية.

أغنى “أنور سلمان” مكتبة الشِّعر العربي بأعمال كثيرة؛ نشر قسم منها، وما برح قسم آخر ينتظر فرصة لنشره. من منشورات شعره مجموعات عدَّة، لعل من أبرزها "إليها" و"سميته الملك الآتي" و"بطاقات ملونة لزمن بلا أعياد"و"أبحث في عينيك عن وطن" و"حبك ليس طريقي إلى السماء" و"القصيدة امرأة مستحيلة". ويقول الكاتب والسياسي الأستاذ غازي العريضي، في هذا المجال، "بين “أنور سلمان” والكلمة علاقة روحية عاطفية راقية. أحبها وأحبته. أكرمها وعشقته فاستسلمت له!! تغزّل بها وتفنّن في حبها وأتقن إدارة علاقته بها. غزل منها أجمل وأرقى وأغلى الأبيات والقصائد فحاك أروع وأبدع وأرفع أثواب الشعر وهو يحاكي المرأة والمقاومة والشهداء والوجدان ويقرأ الحياة أمامنا".

إنماز شعر “أنور سلمان” بجماليَّة سلسة، وغنائيَّة عذبة؛ الأمر الذي حدا بعديد من أساطين التَّلحين المعاصرين، في لبنان وسائر أرجاء الوطن العربي، مثل الأساتذة توفيق الباشا وإحسان المنذر ووليد غلمية ومحمد سلطان وجمال سلامة وشاكر الموجي ووجدي شيا ورياض البندك ومحمد محسن وسهيل عرفه ونبيه الخطيب وسواهم، إلى تلحين قصائده، فشدت بنصوصه حناجر مجموعة كبرى من سيدات الغناء العربي وأسياده، منهم فريد الأطرش وماجدة الرومي وباسكال صقر وسمية بعلبكي وجوزف عازار وجوزف ناصيف وفايزة احمد ووائل كفوري ومايز البياع ونازك ونور الهدى وزكية حمدان وسامية كنعان ودلال الشمالي وفدوى عبيد وسواهم.

شارك “أنور سلمان” في عديد من المهرجانات الشِّعريَّة في لبنان وفي دول عربية أخرى؛ ونالت نصوصه للأغنيَّة، كما سائر عطائته الشِّعريَّة، عدداً كبيراً من الجوائز والدُّروع التَّكريميَّة والتقديرات الثقافيَّة. ولعل من أبرز الجوائز التي استحقها “أنور سلمان”، في هذا المجال،"جائزة مارون عبود للشعر" ، سنة 1956، وجائزة "الميكروفون الذهبي"، لأجمل أغنية عربية في "مهرجان قرطاج الدولي" لسنة 1994،  كما كان له أن ينال، في مهرجان قرطاج هذا، جائزة "أفضل نص شعري"؛  ونال، كذلك، "الجائزة الأولى" في "مهرجان القاهرة الدولي للأغنية العربية" في صيف سنة 1997؛ ودرع "مهرجان الرواد العرب" لشعر الأغنية العربية، الذي انعقد في القاهرة برعاية جامعة الدول العربية سنة 1999.

كُتِبَ، في شخصه وفي شعره، كثير من الدَّرس والتَّحليل؛ ومن هذا القبيل ما ذكره الأديب ميشال كعدي، عن نوعيَّة العطاء الشِّعريلأنور سلمان، إذ قال "عَرَفَ كيفَ يطوفُ بينَ الحُبِّ والوطنِ. ملأَ جَعبَتَهُ بطيبِ الحبِّ، ثُمَّ طيَّبَها مِن طَفْحِ الدَّواةِ، وَشَقْعِ الجَمالِ، ورقاعِ الهوى، والنَّجاوى العَسجَديَّاتِ، وحجارِ الوطنِ، ومداقِّ العطرِ. شغلَتْهُ الأَزاميلُ، فأعَدَّ ذاتَهُ للمعتزمِ الأشرفِ، ثُمَّ كانَ للمَهَمَّةِ ولا جدال، وحتَّى لا تبقى القصيدةُ مستحيلةً، أو امرأةً مستحيلة، راحَ يقطنُ عالمًا مسحورًا يقومُ على أربعةِ أعمدةٍ، لا يبيعُها بكنوزِ الأرضِ كُلِّها، وهل يُفرِّطُ بيواقيتِ دفترِ الوردِ، أو بالمرايا أو بالشِّفاهِ الظامئة، أو بأوراقِهِ التي لوَّنَها بأقواسِ السُّحُبِ أو بلبنانَ الذي أوصى به الدُّنيا ولا سيَّما العرب؟".

قال الباحث الأكاديمي الدكتور محمَّد شيَّا، في موضوعات شعر سلمان، "ملأ الوطن صفحات دواوين “أنور سلمان” كلها، إذ نادراً ما يغيب في كل قصائده: هو الحزن والألم بل والغضب حيناً، لكنه الأرض في فرح ألوانها وشجو أغانيها في كل حين". كما قال الباحث الأكاديمي الدكتور قصي الحسين، في لغته الشِّعريَّة، "هو الشاعر الذي عمل على امتلاك لغة الشّعر الماديّة المباشرة، وهي مدرسة خاطبت أحاسيس المرأة بكل قوة وبكل جرأة، بدل أن تجعلها حبيسة التوريات والغلالات. إنها المدرسة الحسية في الشّعر العربي ورائدها امرؤ القيس وخادمها نزار قباني، وبينهما، يتقدم “أنور سلمان”، لا على عجل ولا على استحياء. فهو شاعر الشعلة التي تنير درب الشّعر ودرب الحب ودرب الحسناوات".

ذكر الشاعر شوقي بزيع، عن بلاغة "أنور سلمان" في الشِّعر، "نلمس بوضوح شغف الشاعر بالبديع والبيان والتشطير الايقاعي والهندسة الحروفية. فهو من هذه الناحية سليل ما يمكن تسميته بالمدرسة اللبنانية التي تميل إلى التأنق والتنميق والبلاغة المحكمة". وأشار الشاعر محمَّد زينو شومان إلى رؤية “أنور سلمان”، قائلاً "كان شعره ترجمة واقعية لرؤيته الفنية ولوضوح أفكاره وصوره ونهجه الحياتي والشعري، خالياً من التعقيد والغموض؛ باهراً كعين الشمس، ساطعاً كالنهار المتساقط من أعالي القرى والجبال والمتزحلق عن هامات الشجر. فلا غرابة، والحال هذه، أن يخيّل إليك وأنت تقرأ شعره وكأنك تتلمّس بأطراف أصابعك تضاريس أسلوبه الجمالي، الذي لرقّته ورشاقته يكاد يفلت منك كلما حاولت الإمساك به". وذكر الباحث الأكاديمي الدكتور جورج كلاَّس، في مجال الرؤية الشعريَّة لسلمان أنَّ ،"القصیدة مع “أنور سلمان” تزاوج بین الرؤيا والرؤية، فاذا الحب معه شعور واستشعار، واذا الجمال عملیة تذوق وتبشیر برسالة الجمال، واذا المواطنة لديه تذكر وتأمل وارتقاب وخوف على الذكريات من غد أسود يمحو معالمها".

أشار الروائي حسن زبيب، إلى نوعيَّة حضور سلمان في السَّاحة الشِّعريَّة، قائلاً "إن “أنور سلمان”، ربما يكون من الشعراء الذين لم يغرهم النشر، فحافظ على قناعته ضد الانسياق خلق "محرقة" النشر من اجل التأكيد على الحضور الدائم في الساحة الثقافية حتى ولو لم تحمل هذه المجموعة أو تلك أي جديد على صعيد التجربة وتطوّرها، إذ أن بعض المقلّين في النشر شكّلوا بتجاربهم أهم الروافد الإبداعية في الشعر العربي". ودلَّ الباحث جوزف عازار، على جوهر شعر سلمان، قائلاً إنَّ "قصائد “أنور سلمان” تستمرُّ مؤطّرةً بالزمان والمكان حتى في عاطفياته. فالحب هنا ليس تهويمياً ولا هو موضوع ذاته. بل هو مناسباتي وموضوع في اطار من الوعي (أو الواقع) شبيه بالاطار الذي تعامل من خلاله الشاعر مع الوطن. وبهذا يبتعدُ سلمان عن لعبة "الشعر للشعر" أو "القصيدة للقصيدة"، ويقترب بحرارته وموضوعيته وذاتيته من لعبة "الشعر القضية" أو "الشعر الحالة" أو "الشعر الانتماء" من دون أن يخوض أو أن ينغمس في واقعية مسطحة أو ذاتية تغييبية".

رأى الباحث الدكتور كمال فضل الله، في البعد الاجتماعي لقصائد “أنور سلمان”، أنها "تعبر عن شرائح متعدّدة من المجتمع عاشوا أو يعيشون الواقع ذاته؛ يحبون ويعشقون ويتألمون مما هو قائم من خطأ ويسعون إلى رسم ما يجب أن يكون بالحوار العقلاني الهادئ أو بالهدم لإعادة البناء على قواعد راسخة من العدالة والعلاقات الإنسانية والتطلّع إلى الأفضل". وانتبه الشَّاعر والنَّاقد وفيق غريزي، إلى جماليَّات شعر سلمان، فرأى أن “أنور سلمان”، شاعر "يحوك من نزيف الجراح، أكاليل الفرح، ومن عتمة الوجود يلد شمساً من ذهب الامل. وفي عدد من نصوصه يتماهى الوطن بالمرأة، والمرأة بالوطن وهذا التماهي يتجسّد في دمعة منسكبة على بياض الأوراق الخرساء".

ربط الشاعر غسَّان مطر، بين شعر “أنور سلمان” والحداثة، إذ خاطبه قائلاً إنَّ "الحداثة هي انتماء إلى الذات والى المستقبل من خلال الثقافة الشاملة والمعرفة العميقة للغة العربية واحتمالاتها الفنية الغنية وصياغاتها البسيطة الموحية الممتلئة دلالات وجمالات. بهذا المعنى، فأنت حديث بامتياز. فلغتك البسيطة الطاهرة هي لغة المستقبل وهي اصعب من أن يعتدي عليها الادعياء. لذا تراهم يرجمونها لأنها تكتم عنهم أسرارها".

ما هذه، جميعها، سوى نماذج من رؤية زمننا المعاصر إلى “أنور سلمان”؛ وهي رؤية أجمع أصحابها على وضوح البصمة الشعريَّة التي تركها أنور في مسيرة الشعر العربي المعاصر، بل في تأكيد قيمة مناحي النضج والمسؤوليَّة الفنيَّة تجاه هذا الشِعر كما تظهر في نتاج “أنور سلمان”. ومن هنا، يأتي هذا الجهد الضَّخم في جمع أعمال الشاعر، وحسن توثيقه وتبويبه، ليشهد لا ل”أنور سلمان” وحده، بل ليكون شهادة راسخة على زمن رائع من أزمنة الشعر العربي، أزمنة عاشها هذا الشعر، وما انفك يعيشها عبر الفاعليَّة الشعريَّة التي تقدمها أشعار “أنور سلمان” وعطاءاته الابداعيَّة.المجموعة الكاملة لأشعار “أنور سلمان”، إضافة رائعة إلى الوجود الشعري العربي؛ وعطاء ثر لا ينضب، سينعم به الشعر الإنساني قاطبة؛ ولعلَّ في شهادة الكبير الكبير جوزف حرب، وهو من هو في وعيه الإنسانيِّ وجماليته الشعريَّة وإبداعه الفكري، في “أنور سلمان”، ما يكلل تاج التقدير بماسة الحق ساطعة على رأس العطاء الشعري لـ”أنور سلمان”، إذ يقول جوزف: "«نحنُ نقرأ، “أنور سلمان” يُغنّي؛ وفي شعرنا وزن،وفي شعره مقامْ.قصائدنا كتابة،وقصائدهُ تقاسيم!ونحنُ مع الكلمة الخطَّاط، وهو معها العازف.في غنائيَّة الشعر العربي،مدرسة اسمها المدرسة الشاميَّة؛من أعلامها البحتري، وديك الجنّ، ونزار قباني.في هذه المدرسة،“أنور سلمان” صاحب كُرسيّ".

بيروت في 21 آذار 2018

 


(*) أمين عام إتّحاد الكُتّاب اللبنانيين؛ ناقد أدبي وباحث جامعي.